الجُمْلَةُ لها عدة تعريفات، يأخذ بعضها بمعيار المعنى، وبعضها الآخر يأخذ المبنى في الحسبان. فالجملة في عموم معناها، وفقًا للاتجاه الأول، تعبيرٌ، أو كلامٌ يفيد معنىً، يَحْسُنُ السكوت عليه، نحو محمدٌ كريم. وهذا هو الاتجاه التقليدي، الذي مازال يسير على نهجه بعض المعاصرين، وهو أيضًا ما رُوِيَ عن النحاة العرب، كما يظهر في قول ابن مالك في ألفيته: ¸كلامُنا لفظٌ مفيدٌ كاستقم·. فليس من الجملة إذن نحو قولنا إنما زيدٌ لعدم الإفادة.
والاتجاه الآخر الآخذ بمعيار المبنى، وهو اتجاه حديث نسبيًا، يحدد الجملة بأنها سلسلة مستقلة من الكلمات، محدودة بسكتتين، ويشار إلى السكتة الأخيرة في الكتابة بنقطة (.) واستقلال الجملة، يعني أنها بناءٌ له كيانه غير المتضمن في بناء نحوي آخر أكبر منه.
والجملة في الاتجاهين كليهما تخضع لنظام خاص تحدده قواعد اللغة موضع الدرس. وهذا النظام يقيم علاقات خاصة بين الكلمات أو المكونات، تُعيِّن لكل منها موقعها الخاص بها، وهذا الموقع يقتضي علامة معينة تشير إليه وتؤكده. وإذا اضطرب هذا النظام، انتفى وجود الجملة. فقولنا: جاء زيدٌ كي يستريح جملةٌ، لأنها جاءت وفق نظام العربية، في حين أن كي زيد يستريح جاء ليست جملة لأنها لم تتبع النظام النحوي العربي، وذلك على الرغم من أن المكونات في الحالين واحدة.
وأقل ما تتألف منه الجملة في الغالب اسمان، نحو هذا بَطَلٌ أو فعلٌ واسم مثل: حضر المعلم أو المعلم حضر. وقد تأتي الجملة أحيانًا في سياقات معينة، في صورة كلمة واحدة، كما في قولنا مثلاً: نعم. إجابة عن السؤال أفهمت؟. وفي هذه الحالة وأمثالها، تُقَدر المكونات المحذوفة في رأي بعضهم.
وينص النظام النحوي العربي على أن الجملة تتكون من رُكنين أساسيين، هما المسند إليه أو المُخْبَر أو المتحدث عنه، و المسند أو الخبر أو المُخْبَر به. ففي مثل قولنا محمدٌ حاضرٌ أو حضر محمدٌ، محمد: هو المتحدث عنه، فهو المسند إليه، وحاضر أو حضر هو المُخْبَر به، فهو المسند.
تصنيف الجملة
للجملة في العربية عدة تصنيفات وفقًا لنوعية مكوناتها من الكلم، ووفقًا لبنيتها أو تركيبها النحوي. ففي المفهوم الأول، تُصنف الجملة العربية إلى نوعين رئيسيين هما:
الجملة الاسمية. وهي التي تبدأ باسم يُخبر عنه، وتتكون من مبتدأ وخبر، مثل: الدينُ المعاملة. والأصل أن يتقدم المبتدأ ويتأخر الخبر، ولكن، قد يحدث أن يتقدم الخبر. وهذا التقديم قد يكون جائزًا، أو واجبًا، كما قد يكون ممتنعًا، وذلك في حالاتٍ خاصة. وهي مُفصَّلة كلها في كتب النحو.
نواسخ المبتدأ والخبر
النسخ في اللغة: التغيير والإزالة، وفي الاصطلاح النحوي: تغيير حكم المبتدأ والخبر. والنواسخ: أفعال وحروف تدخل على جملة المبتدأ والخبر فتزيل الحكم الموجود فيها. وهي ثلاثة أنواع: 1- نواسخ ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، وهي كان وأخواتها وكاد وأخواتها. 2- نواسخ تنصب المبتدأ وترفع الخبر، وهي إن وأخواتها. 3- نواسخ تنصب المبتدأ والخبر كليهما، وهي ظن وأخواتها.
كان وأخواتها. أفعال ناسخة ناقصة، وإنما سميت ناقصة لأن الفعل لا يكتفي بالاسم المرفوع بعده، بل يبقى المعنى ناقصًا محتاجًا إلى خبر. وهي ثلاثة عشر فعلاً (كان ـ أصبح ـ أضحى ـ ظل ـ أمسى ـ بات ـ صار ـ مازال ـ مابرح ـ ما انفك ـ ما فتئ ـ ما دام ـ ليس) وهذه الأفعال الثلاثة عشر ترفع المبتدأ ويصبح اسمًا لها، وتنصب خبر المبتدأ ويصبح خبرًا لها، نحو : بات الشُّرطيُّ ساهرًا. فالشرطي اسم بات مرفوع وساهرًا خبرها، منصوب. والأفعال السبعة الأولى من أخوات كان تتصرف تصريفًا مطلقًا، فيأتي منها الماضي والمضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل، وما إليه، مثل : (كان ـ يكون ـ كن ـ كون ـ كائن). والأفعال الأربعة التي تتلوها والمسبوقة بـ (ما) تتصرف تصريفًا ناقصًا فتأتي في صورتي الماضي والمضارع فقط، عدا (مادام) فإنها جامدة، يضاف إليها الفعل الأخير (ليس)، فهذان الأخيران لا يأتيان إلا في صورة الماضي فقط.
تعمل أخوات (كان) في جميع صورها نحو : كان الأمر سهلاً، يكون مقتل الرجل بين فكيه، كن صبورًا، سرني كونك مجتهدًا.
ويغلب على أخوات كان أن تأتي ناقصة، نحو: أَمْسَى الطريق ُمُوحِشًا. وقد تأتي تامة، أي: لا تحتاج إلى خبر، نحو: تأخرتُ في الطريقِ حتّى أمْسَيْتُ.
ولكان وأخواتها أحكام وتفاصيل مكانها كتب النحو.
انظر أيضًا: الفعل.
كاد وأخواتها. تسمى أيضًا أفعال المقاربة، مجازًا، وإنما هي ثلاثة أقسام: أفعال المقاربة، وأفعال الشروع، وأفعال الرجاء.
أفعال المقاربة. هي : كاد، وكرَبَ، وأوشك. وتفيد مقاربة الاسم للخبر، نحو : كاد اللّيلُ ينقضي.
أفعال الشروع، وهي كثيرة، منها : أنشأ، وأخذ، وجعل، وطَفِقَ، وقام، وهَبَّ وغيرها. وتفيد شروع الاسم في القيام بالخبر، نحو : جعلَ المطرُ ينهمرُ.
أفعال الرجاء . هي: عسى، وحَرَى، واخلولق. وتفيد رجاء المتكلم تحقق الخبر، نحو: عسى البارقة تمطر.
وجميع أخوات كاد جامدة تلتزم صيغة الماضي، إلا كادَ وأوشك فإنهما فعلان متصرفان يجيئان على صيغة الماضي والمضارع واسم الفاعل.
كاد وأخواتها أفعال ناسخة ناقصة تعمل عمل كان وأخواتها فترفع المبتدأ وتنصب الخبر، نحو: أخذتْ الريحُ تَشْتَدُّ. وكان من الممكن تصنيفها ضمن أخوات (كان) لولا أن خبر (كاد وأخواتها) لابد أن تجتمع فيه أمور، منها: أن يكون جملة فعلية فعلها مضارع، نحو : كادَ المطرُ يَنْزِلُ. وأن يرفع الخبر ضميرًا يعود على اسمها، نحو: كاد البيتُ يسقطُ. (ويمكن توسّط الخبر في مثل: كاد يسقط البيت).
ويجوز أن يقترن خبر بعض أخوات (كاد) بـ (أَنْ) نحو: كاد الفقر أن يكون كفرًا. ويجوز تجرد الخبر من (أنْ) نحو : كاد قلبي يطير. وتجرد الخبر من (أَنْ) أكثر، وقد ورد الاستخدامان في القرآن، فمن الأول قول الله تعالى : ﴿عَسَى ربُّكمْ أنْ يَرْحَمَكمْ﴾ الإسراء: 8 . ومن الثاني قوله تعالى: ﴿فَذَبحُوهَا وما كادُوا يَفْعلون﴾ البقرة : 71 .
إن وأخواتها. هي ستة أحرف ناسخة تدخل على جملة المبتدأ والخبر، فتنصب المبتدأ ويصبح اسمًا لها، وترفع خبر المبتدأ ويصبح خبرًا لها. والأحرف الستة هي : 1-2- إنَّ وأَنَّ ويفيدان التوكيد، نحو: إني صائم. علمت أنَّك مسافر. 3- كأنّ تفيد التشبيه، نحو: كأن الوجه قمرٌ. 4- لكنّ: تفيد الاستدراك وهو التعقيب على كلام سابق، نحو: أخوك صغير لكن عقله كبير. 5- ليت: وتفيد التمني وهو طلب الأمر المستحيل أو المتعذّر، نحو: ليتَ السَّلامَ يعمّ الأرض. 6- لعل: وتفيد التوقع، فإن كان المتوقع أمرًا محبوبًا سمّي رجاءً أو ترجِّيًا، نحو: لعلّ الله يرحمنا. وإن كان المتوقع مكروهًا سمّي إشفاقًا، نحو: لعلّ العدو بيننا.
وقد يخفف تضعيف النون في (إنْ، أَنْ، كأَنْ، لَكِنْ) فتعمل هذه الحروف بعد ذلك عملها نفسه، وقد تهمل.
تدخل (ما) الزائدة على إن وأخواتها فتكفها عن العمل، وتجعلها صالحة للدخول على الجملة الاسمية والفعلية، نحو: إنما المؤمنون إخوة. ما عدا ليت، فإنها إذا دخلت عليها (ما) جاز إعمالها، نحو: ليتما المجتمعين متفقون، أو إهمالها، نحو: ليتما المجتمعون متفقون.
تفتح همزة إِنَّ وتكسر، وأشهر مواضع كسرها أن تقع في أول الكلام نحو: { إنّا فتْحَنا لَكَ فَتْحًا مُبِينا} الفتح :1. أو أن تقع بعد القول، نحو: قلتُ : إِنِّي مسافر. وتكسر أيضًا إذا وقعت بعد حيث وإذ. وقد تفتح وتكسر في غير هذه المواضع.
ظَنَّ وأخواتها. أفعال ناسخة تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر. وهي قسمان : أفعال القلوب، وأفعال التَّصيْير والتحويل. أفعال القلوب. ويقصد بها الأفعال التي تدل على معنى يعود إلى قلب الإنسان مثل (العلم والظن). وهي صنفان : أفعال يقين وأفعال رجحان.
أفعال اليقين. هي الأفعال التي تفيد التحقق من نسبة الخبر للاسم، وأهمها : رأى ـ علم ـ وَجَدَ ـ دَرَى ـ ألفَى ـ تعلّم، نحو: علمت الله موجودًا.
أفعال الرجحان. هي التي تفيد التردد بين نسبة الخبر للاسم وعدم نسبته له، كالظن والزعم. وأهم أفعال هذا القسم: ظنَّ ـ حَسِب ـ خال ـ زعم ـ عدّ، وغيرها، نحو: زَعَمَ الجاحِدون القَرآنَ كلامَ البشرِ.
أفعال التصيير والتحويل. يقصد بها الأفعال التي تفيد تحول معنى الاسم إلى معنى الخبر؛ وهي سبعة أفعال: صيّر ـ جعل ـ اتّخذ ـ تَخِذَ ـ ردّ ـ تركَ ـ وهبَ؛ نحو: صَيَّر النجارُ الخشبَ كرسيّاً.
وجميع أفعال هذا الباب تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، إلا إذا لم تكن قلبية أو للتحويل. فإن لم تكن كذلك، نصبت مفعولاً واحدًا نحو: علمتُ بما حدث. وبعض أفعال هذا الباب ينصب ثلاثة مفاعيل.
أفعال تنصب ثلاثة مفاعيل. الفعلان رأى، وعلم ينصبان مفعولين كسائر أفعال هذا الباب، فإذا دخلت عليهما همزة التَّعْدِية زاد كل منهما مفعولاً ثالثًا فصار المنصوب بعدهما ثلاثة مفاعيل؛ مثل : أعلمت الأُميَّ القراءةَ مفيدةً. وأريتُ الجاحِدَ اللهَ حقّاً. وتدخل معها أفعال أخرى تتضمن معنى أرى وأعلم، هي : أَنْبَأَ، ونبّأ، وأخْبَر، وخبَّر، وحدَّث.
الجملة الفعلية. وقد جرى التقليد الشائع على تعريفها، بأنها تلك التي تبدأ بفعل، سواءٌ أكان هذا الفعل ماضيًا أم مضارعًا أم أمرًا. أَقْبَلَ الصيفُ ـ يسقط المطرُ شتاءً ـ قُل الحقَّ. وفي نظر بعض المعاصرين أن الجملة الفعلية هي ما انتظمت فعلاً في بنائها، أياًّ كان موقع هذا الفعل وهو رأي له وجاهته ويمكن الاعتداد به.
وتتكون الجملة الفعلية من ركنين أساسيين، هما: الفعل والفاعل أو نائب الفاعل.
وقد تُوسَّع الجملة الفعلية بالمُكمِّلات كالمفعول به، والمفعول المطلق، والمفعول لأجله.
وأشهر المُكملات: المفعول به، وقد يكون واحدًا، أو اثنين، أو ثلاثة، نحو:
قرأ الطالبُ الدرسَ
علم محمدٌ الصدقَ منَجاةً
أَعْلمتُ محمدًا الصدقَ منجاةً.
والأصل في المفعول به أن يكون بعد الفعل والفاعل، لكن قد يتقدم على أحدهما أو كليهما، وهذا التقديم قد يكون جائزًا أو واجبًا أو ممتنعًا، وفي كتب النحو تفصيل هذه الحالات.
وقد يُبنى الفعل للمجهول، وفي هذه الحالة يُحذف الفاعل، ويحلُّ المفعول به مكانه نحو: قُرئ الدرس في قرأ الطالب الدرس. أما إذا تعدَّدَ المفعول به، فإن المفعول الأول هو الذي يحلُّ محل الفاعل، نحو:
كُسِي الفقيرُ ثوبًا في كسا الغني الفقير ثوبًا.
وتُصنَّف الجملة بحسب بنيتها أو شكلها النحوي تصنيفًا آخر، يقع في ثلاثة أنواع:
الجملة البسيطة. وهي الجملة التي تتضمن مسندًا إليه واحدًا ومسندًا واحدًا، مثل: محمدٌ حاضرٌ أو حضر محمدٌ. وهذا يصدُق أيضًا إن كان المسند إليه أو المسند مركبًا، نحو: العنب والتفاح فاكهتان. المسند إليه مركَّب.
الجملة المركَّبة. وهي الجملة التي تتضمن جملتين بسيطتين أو أكثر، يتمُّ وصلهما أو وصلها بأداة ربط، مثل: واو العطف، وفاء العطف، ولكن، مثل: أقبل الصيفُ واشتد الحرُّ. قرأت الكتاب، لكني لم أَفهمهُ.
الجملة المتضامّة. وهي التي تشمل تعبيرة أساسية وتعبيرة أو تعبيرات تابعة، مثل: إنْ تذاكر تنجح. تجدني حاضرًا إن أقبلتَ في المساء.
ويضيف بعض اللغويين أنماطًا أخرى من الجمل، كالجملة الشرطية و الجملة الوصفية. وكلها يمكن ضمها إلى أي من النمطين الأخيرين المذكورين سابقًا، وبخاصةٍ الجملةُ الشرطية التي تدخل ـ في رأي الثِّقات ـ في النمط الثالث.
وأنماط الجمل الأساسية أو ما تسمى بالجمل النواة، يمكن تحويلها إلى أنماط أخرى، بالزيادة أو النقص في مكوناتها أو بإعادة الترتيب لهذه المكونات. من هذه التحويلات ما يلي:
تحويل الفعل المبني للمعلوم إلى مبني للمجهول.
فَهِمَ الطالبُ الدرسَ: فُهمَ الدرسُ.
تحويل الجملة المثبتة إلى جملة منفية.
أعرفه جيدًا: لا أعرفه جيدًا.
تحويل الجملة النواة إلى جملة استفهامية،
سواء أكان الاستفهامُ يقتضي الإجابة بـ "لا" أم بـ "نعم"، أم كان للبيان والاستيضاح: سمعت الخبرَ ـ أسَمِعْتَ الخبرَ؟ أو متى سمعتَ الخبرَ؟...إلخ.
وقد يكون التحويل للاستفهام بالتنغيم (دون أداة صرفية) سَمعْتَ؟ (بتنغيم خاص).
تحويل الجملة الخبرية إلى جملة طلبية: قابلته ـ قابِلهُ.
تحويل الجملـة النـواة إلى جملــة تعجبيـة: الحديقـة جميلة ـ ما أجمل الحديقة!
وقد يقع التحويل بتغيير مواقع بعض المكونات: فهمتُ ما تقول ـ فهمتُ ما تقول جيدًا.